:

*رحلة* *إلى* *أرض* *الموت* *والدمار* ( *حلقة* *أولى

top-news
شركة شحن

*رد* *فعل* 
 *عماد* *ابوشامة* * )

  * طوال العامين السابقين كانت الكتابة بالنسبة لي نوع من الترف بعيدا عن كونها واجب مهني وأخلاقي لا فكاك منه..  المشاعر ماججة تستدعي التعبير عما بالدواخل من غبن علي الاقل ولكن القلم يستعصي بصورة غريبة الاحباط هو سيد اسبابها.. لكن ان تدخل الخرطوم بعدد تحريرها لابد أن تكتب وتسرف في الكتابة والوصف وانت تحوم في بقعة كانت سماؤها ملبدة بالدخان والهبة النيران.. يلعلع في شوارعها الرصاص والبارود ويتجول القاتل في كل مكان لا يفرق بين مواطن وعسكري او رجل وامرأة او طفل وشيخ.. فشعور التجول في أرض كهذه تخلط فيه السعادة الغامرة بالرهبة الشديدة خاصة وأن كان ماتسمعه يختلف تماما عن ما تراه  تهويلا او تخفيفا..
 * ولا أنكر أنني كنت خائف لدرجة الرعب عندما بدات رحلة السفر إلى هناك ولكن كانت سلاسة الدخول إلى العاصمة تزيد من مساحة السعادة وتتلاشى شيئا فشيئا مساحة الخوف والرهبة حتى تختفي تماما وتتبددَ.
  * قد لا تبدو لكم الكتابة والصورة التي انقلها لكم مرتبة أو تبدو ناقصة في بعض جوانبها ولكنها بلا شك معبرة إلى حد كبير عن احساسنا خاصة وإنني كنت أظن اننا لن نعيش حتى ندخل الخرطوم مرة أخرى ونتجول فيها وهذا ليس لأننا لانثق في قدرة قواتنا المسلحة ومن خلفها جموع شعبنا على النصر المؤكد وقبل كل ذلك الثقة بالله ونحن ندرك ان دولة الظلم ساعة ودولة العدل و الحق إلى قيام الساعة.
  * طريق شريان الشمال الذي بدأنا الرحلة عبره من الملتقى مدخل محلية الدبة والولاية الشمالية كان يبدو كطريق غير مطروق ومهجور فقد توقف السفر عبره إلى الخرطوم منذ عامين الا من رحلات قليلة جدا لا تنتهي في الخرطوم المحتلة.. ارتكازين أو ثلاثة للجيش على طوله كان أفراده يسألون من جهة القدوم دون الحاح ثم يتمنون لك سلامة الوصول ليس فيها تفتيش او تأخير وهذا تفريط يقابله إفراط في طرق أخرى لا تقود إلى مدن كانت محتلة مثل مدن مروي وعطبرة وبورتسودان وكان هذا مصدر حيرتي وربما خوفي إلى حد ما
  ولكن عندما تقترب من امدرمان بحوالي خمسين كيلو كان عدد الارتكازات ونقاط الجيش يزيد قليلا وتقترب من بعضها مع قليل من السيارات القتالية ولكن ليس بها تفتيش أيضا فقط يسألون من دواعي الحضور للخرطوم.
 * الدخول عن طريق سوق ليبيا مغلق تماما امام الحركة مما يؤكد أنه ما زالت هناك عمليات قتالية على الأقل في تخومه الغربية فينحرف طريقك وتفارق شارع الاسفلت في اتجاه الثورات عند سوق كبير يسمى سوق الحر (بفتح الحاء وسكون الراء) يزدحم الي حد ما بالباعة والمشترين اغلبها خضروات ومواد استهلاكية لا تدري أين يسكن هؤلاء ولا تهتم فليست هنالك أحياء قريبة..تقطع قرابة الثلاثين كيلو متر قبل الوصول إلى طريق الأسفلت الذي يقودك إلى سوق صابرين٠
الحياة في امدرمان تبدو طبيعية للحد البعيد كأنها منطقة بعيدة جدا عن العمليات مثل بورتسودان وحلفا القديمة..  الشعب السوداني دائما لديه قدرة فائقة علي  فرض نظام للحياة بعيدا عن الدولة واهمالها وكسلها.
   القصف العشوائي لسوق صابرين الذي راح ضحيته العشرات لم يؤثر على الحركة الرائجة فيه وتتوفر كل السلع والخدمات بأسعار تبدو احيانا أرخص من الولايات الامنة.
 *  لم نتوقف كثيرا في امدرمان وشوارعها فقد كانت وجهتنا الخرطوم المدينة عبر شارع النيل الذي  بدأناه من بعد كبرى الحلفايا بكيلو متر واحد وكان يبدو مهجورا تماما لا حياة فيه ولا رواد رغم ان هذه المنطقة تم تحريرها قبل اكثر من عام.. لا يقابلك اي ارتكاز علي هذا الطريق حتى سوق الموردة وتزيد الحركة هنا عند مدخل كبرى السلاح الطبي (كبري النيل الأبيض القديم) المؤدي إلى الخرطوم حيث الوجود الكثيف للجيش هنا وايضا لا تفتيش ولا أسئلة عند الدخول بينما تلاحظ التشدد عند الخروج اي عند العبور من الخرطوم إلى امدرمان للحرص على ما يبدو دون الخروج بمسروقات أو اسلحة.
  عندو دخول الخرطوم عبر المقرن تبدأ مشاهد الدمار الشديد شي لا يصورها بشر مناظر  توجع القلب بشدة حتي يخيل إليك انه ينزف .. كل  أبراج المقرن محروقة تماما وبغل وحقد شديدين مؤكد انه ليس بسبب المواجهات العسكرية فقط فقد كان أغلبها محروق عمدا من جنود المليشيا المندحرة المهزومة المهرولة نحو حتفها أو النجاة بجلدها.
 عندما تتوغل في شوارعها و أحيائها إذا دخلتها وانت خالي الذهن أو هبطت من السماء ربما تصرخ ما الذي حدث للخرطوم أين ذهب سكانها وكيف اختفى زحامها؟.. وهذا يجعلك تقدر حجم النزوح التي تم إلى الولايات واللجوء إلى الدول المجاورة والبعيدة وتتقافز إلى ذهنك الأرقام المهولة من السكان  الذين كانوا يتزاحمون في شوارعها فغادروها هربا من الموت وتدرك أن تقديرات النزوح لدى المنظمات والجهات الرسمية أقل بكثير من الحقيقة والواقع.
 *  تجولنا في أغلب أحياء الخرطوم بكل اتجاهاتها وجزء من مدينة الخرطوم بحري.. الجيش يتواجد بكثافة وهذا أمر مهم.. اتيام نظافة عديدة تنتشر في الشوارع وبعض الأحياء لا أدري إن كانوا نظاميين أو شعبيين متطوعين ولكن يرتدي أغلبهم زيا مؤحدا ومما ..يؤكد نشاطهم وعملهم الدوب اننا لم نرى مشهدا لجثة أو حتى هيكل عظمى بخلاف ما كنا نراه في الفيديوهات المنتشرة.
عبرنا الخرطوم إلى تخومها الجنوبية مع ولاية الجزيرة..
لكن الحقيقة المرة أن الحياة في الخرطوم لن تعود إلى طبيعتها في مدة أقرب من عامي الحرب التي مرت فالدمار هناك فوق التصور و التخيل فالجيش قام بواجبه على أكمل وجه وتتبقي مهمة أخرى في عاتق حكومة إدارية قوية ومدركة لدورها الذي ينتظرها
نواصل في حلقات أخرى ونرصد المشاهد بصورة أكثر دقة.

شركة جريس لاند لخدمات الشحن المختلفة

هل لديك تعليق؟

لن نقوم بمشاركة عنوان بريدك الالكتروني، من اجل التعليق يجب عليك ملئ الحقول التي امامها *